الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
واذكروا أيها المؤمنون {إِذْ تُصْعِدُونَ} بضم التاء أي في الأرض هربا من عدوكم لأن هذا الفعل من أصعد والإصعاد الإبعاد في الأرض، وقرئ بفتح التاء من صعد إذ يقال صعد في الجبل والصعود الارتقاء من الأسفل إلى الأعلى وضده الهبوط {وَلا تَلْوُونَ} تلتفتون حال انهزامكم {عَلى أَحَدٍ} منكم بفتح الهمزة والحاء، وما قاله بعض المتهوكين بضمها لا صحة له ولم يقرأ بها أحد من القراء إذ لا معنى لها هنا، والقراءة الصحيحة على فتحها أي لا تنظرون ولا تميلون على أحد منكم لتعينوه أو تخلّصوه بل كل منكم هارب على جهة لا يهمه شأن غيره وكان الأجدر بكم أن تنأنوا وتراعوا بعضكم فتساعدوا العاجز وتعينوا الجريح وتعاونوا المريض وتأخذوهم معكم ولا تتركونهم لأعدائكم ليجهزوا عليهم {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ} يناديكم من ورائكم: إلي عباد الله من كر فله الجنة ولم تلتفتوا إليه ولم تعلموا أن من فرّ له النار، ولولا عفو الله عنكم إكراما لرسولكم لعاقبكم {فَأَثابَكُمْ غَمًّا} بالقتل والجرح مع الهزيمة {بِغَمٍّ} آخر أذقتموه رسولكم بعصيانكم له حتى سببتم له كسر رباعيته وجرح وجهه والفشل والهزيمة لغيركم من إخوانكم وهذه الخصال ليست من شأن المؤمنين الموقنين وسميت العقوبة هنا غما مجازا لأن لفظ الثواب يغلب استعماله في الخبر وقد يستعمل بالشر كما في قوله:
والأداهم هي القيود الحديد، والمحدرجة السياط، وقال الأمير لرجل والله لأحملنك على الأدهم فقال له مثل الأمير من يحمل على الأدهم والأسفر والأحمر، فقد صرف كلامه من المجاز إلى الحقيقة فعفا عنه لبلاغته وحسن ردّه.فتعلموا أيها الناس الفصاحة والبلاغة فكم أنجت من مهالك.روي أن الحجاج منع التجول ليلا وأوعد على المخالفة، وذات يوم صادف ثلاثة فأمر بتوقيفهم ثم استحضرهم وسألهم فقال أحدهم: فقال اتركوه لعله ابن أحد الأمراء، وقال الآخر: فقال اتركوه لعله ابن أحد الأكارم، وقال الثالث: فقال اتركوه لعله ابن أحد الشجعان فإذا هم حجام وفوال وحائك، فقد خلصتهم فصاحتهم من ظلمه.أي إنما أذاقكم ذلك الغم بسبب الغم الذي أذقتموه رسولكم وإنما عفا عنكم {لِكَيْلا تَحْزَنُوا} مرة أخرى {عَلى ما فاتَكُمْ} من النفع وتنهالوا عليه خلافا لما أمرتم به {وَلا} تحزنوا على {ما أَصابَكُمْ} من الضر بسبب عفو الله عنكم {وَالله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (153)} في ذلك الوقت وغيره، وقد علم أن نيتكم لم تكن سيئة لأنكم تحققتم الظفر وعزوف العدو عن كرّه عليكم من بعد هزيمته {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً} ثم فسّر هذه الأمنة بكونها {نُعاسًا} نوما خفيفا لإزالة الرعب عنكم لأن الخائف لا ينام وهذه من جملة أفضال الله تعالى عليكم وجعله {يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ} أيها المؤمنون دون طائفة.روى البخاري ومسلم عن أنس عن أبي طلحة قال: كنت فيمن يغشاهم النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي، مرارا يسقط وآخذه.وأخرجه الترمذي عنه قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد وذكر نحو رواية البخاري بزيادة.والطائفة الأخرى هم المنافقون ليس لهم إلا هم أنفسهم أجبن قوم أرغبه وأخذله للحق وهم المعنيّون بقوله تعالى: {وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} فتشربوا بالخوف وظن السوء بالله وبإخوانهم لأنهم {يَظُنُّونَ بِالله غَيْرَ الْحَقِّ} أي بإخلاف وعده رسوله ويعتقدون أنه لا ينصره وأصحابه وكان ظنهم هذا {ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ} الذين لا يعتقدون بوجود الإله ولا يعترفون بكتبه ولا يصدقون رسله ويجحدون اليوم الآخر والقضاء والقدر لأنهم {يَقُولُونَ هَلْ لَنا} أي مالنا {مِنَ الأمر مِنْ شَيْءٍ} فلم نقاتل، وذلك أن رئيسهم عبد الله بن سلول أشار على النبي بعدم الخروج لقتال أحد ولم يأخذ بقوله ولهذا راق لهم ما وقع بالنبي وأصحابه فأنزل الله: {قُلْ} يا سيد الرسل لهؤلاء المنافقين {إِنَّ الأمر كُلَّهُ لِلَّهِ} وحده ولو شاء لما خرجنا ولكنه شاء ذلك ليري قومنا نتيجة مخالفتهم لأمر رسوله وليعلم أنه أعلم بضروب الحرب وفنونه من تعبئة الجنود وتعيين المواقع والكر والإقدام والإحجام والوقوف وغيرها، وهؤلاء المنافقون {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} من الكفر والشك في وعد الله {ما لا يُبْدُونَ لَكَ (27)}.من الإيمان والتصديق {يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الأمر شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا} أي لما قتل في هذه المعركة لو أطاعنا محمد {قُلْ} لهم يا أكمل الرسل لا تظنوا هذا الظن وعزة ربي وجلاله {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} أي لخرجوا من بيوتهم قاصدين {إِلى مَضاجِعِهِمْ} مصارعهم التي قتلوا فيها فقتلوا فيها بنفس الوقت لأن التدبير لا يقاوم التقدير والإنسأن لا يجاوز أجله راجع الآية 77 من سورة النساء الآتية {وَلِيَبْتَلِيَ الله ما فِي صُدُورِكُمْ} فيخرج ما في ضمائركم ليطلع عليها الناس كما هو عالم فيها قبل خلقها {وَلِيُمَحِّصَ} يزيل ويذهب ويمحق {ما فِي قُلُوبِكُمْ} من شك وريبة فيما تصورتموه ويظهر ما تكنونه من العداوة للّه ورسوله والمؤمنين وما تعتقدونه فيهم لترتدعوا {وَالله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154)} ودخائلها لا يخفى عليه شيء من أفعالكم ونياتكم وأقوالكم، ثم التفت جل شأنه إلى المؤمنين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} في أحد فانهزموا وتركوكم ونبيكم فلم يبق مع حضرة الرسول غير ثلاثة عشر رجلا من المهاجرين وسبعة من الأنصار {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ} بإلقاء الخوف في قلوبهم وذلك {بِبَعْضِ ما كَسَبُوا} وهو جزاء تركهم مواضعهم الحربية حين التعبئة ومخالفتهم أمر القائد الأعظم الذي هو أعلم منهم بفنون الحرب وأبوابها لأنه يتلقى علمه فيها وفي غيرها من لدنا {وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ} لصدور تلك المخالفة عن نية حسنة بظنهم إذ رأوا أن ثباتهم فيها يحرمهم من الغنيمة فلم يكن تركهم وفرارهم عنادا ولا لقصد شيء ولا لخذلان إخوانهم وليس فرار زحف لأنهم كانوا غالبين {إِنَّ الله غَفُورٌ} لهم ولغيرهم ممن يقع منه ذنب لا عن قصد سيئ ولا استحلالا ولا تهاونا {حَلِيمٌ (155)} لا يعجل العقوبة على المذنبين.ولا يؤاخذ حسني النية ومن يخطئ في اجتهاده كهؤلاء. .مطلب المقتول ميت بأجله، وأنواع العبادة ثلاثة، وبحث في الشورى ومن يشاور، وخطبة أبي طالب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} أي المنافقين، سماهم كفارا لأنهم أشد ضررا على المؤمنين من الكفار، ومما يدل على أن المراد بالكفار هم قوله جل قوله: {وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} سافروا فيه {أَوْ كانُوا غُزًّى} فماتوا أو قتلوا {لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا} مع أنهم لابد من موتهم في ذلك الوقت وفي ذلك السبب وفاقا لما قدره الله عليهم في أزله ولكن سخرهم لهذا القول الباطل {لِيَجْعَلَ الله ذلِكَ} القول: {حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} غما وأسفا وأسى فيقولون ذلك ويلومون أنفسهم على الخروج فيقتلونها هما وندما، ولو كانوا مؤمنين حقا لعلموا أن القتل والإماتة بقضاء الله وقدره ولهما زمان ومكان وسبب يقعان فيه لا يتخطيانه وقد يتيسر إليه الإنسان أو يذهب إليه من تلقاء نفسه ليقع مراد الله وفق ما هو مدون في أزله وقيل في المعنى:{وَالله يُحْيِي وَيُمِيتُ} بسبب وبلا سبب ومن شيء وبلا شيء {وَالله بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)} قرئ بالتاء على أن الخطاب للمؤمنين وبالياء على طريق الالتفات للكافرين والأول أولى وأنسب بسياق السياق.واعلم أن رؤية الله تعالى كعلمه تستعمل في القرآن للمجازات على المرئي كالمعلوم، وفي الآية تهديد للمؤمنين لأنهم وإن كانوا لم يماثلوهم فيما ذكر إلا أن حصول الندم في قلوبهم على الخروج يقتضي ذلك {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله} خير لكم من أن تموتوا على فراشكم {أَوْ مُتُّمْ} في سفركم قبل خوضكم المعركة {لَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله} لكم وكذلك في كل سفر طاعة {وَرَحْمَةٌ} عظيمة لكم منه في ذلك وهذا {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)} غيركم من حطام الدنيا وهم قعود في بيوتهم وقيل في المعنى: ثم أكد ذلك بقوله مع القسم أيضا {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158)} في الآخرة فيجازيكم على حسب أعمالكم ونياتكم أي إذا كان هلاككم بأي سبب كان فمرجعكم إلى الله لا مرجع إلا إليه ولا معول إلا عليه ولا ثواب إلا منه ولا عقاب إلا عنه، قال الحسين رضي الله عنه وعن والديه: ويستفاد من هذه الآية أن مقامات العبودية ثلاثة: فمن عبد الله تعالى خوفا من ناره وهي أدنى مقامات العبودية (إذ ما تحتها إلا الرياء والنفاق الذين يخلد صاحبهما بالنار) فهذا قد يؤمنه الله مما يخاف وإليه الإشارة بقوله: {لَمَغْفِرَةٌ}، ومن عبده طمعا في جنته آتاه الله ما رجاه وإليه الإشارة بقوله: {وَرَحْمَةٌ} لأن الرحمة من اسماء الجنة، وهذه العبادة فوق تلك وكلاهما من حظوظ النفس، ومن عبده باعتباره إله حق مستحق للعبادة لذاته ولو لم يخلق نارا ولا جنة تشوقا إلى وجهه الكريم فتلك العبادة الخالصة وهي أشرف أنواع العبادات على الإطلاق، ولهذا فإنه تعالى وعده بما أراد ووعده الحق وإليه الإشارة بقوله: {لَإِلَى الله تُحْشَرُونَ} جعلنا الله منهم ومن أتباعهم.قال تعالى: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ} يا سيد الرسل على ما هم عليه من غلظة وفظاظة فترفقت بهم وتلطفت عليهم وتحملت جفاهم فتشكر محسنهم وتعفو عن مسيئهم حتى التفوا حولك وأحبوك لما أوتيته من أخلاق كريمة تعاملهم بها وآداب عالية تعلمهم إياها وتدعوهم لما فيه صلاحهم {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ} جافيا قاسيا عجولا فقابلت فعلهم في أحد على أثر ما وقع منهم حالة توغر صدورهم فأنبتهم وكدرتهم {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} وتفرقوا عنك ولكن الله الذي رباك فأحسن خلقك وأدّبك فأحسن تأديبك وجعلك سهلا يسرا رقيقا رفيقا فلم تعاملهم في الشدة ولم تحنق عليهم ولم تلمهم على فعلهم حالة تأثرهم على ما بدر منهم مما زاد في ندمهم وأسفهم وأكثر تحسرهم على تفريطهم بأمرك ولحقهم الخجل من أن يقابلوك لأنهم رأوا أنفسهم مقصرين لا عذر لهم ولهذا فإنا قد عفونا عنهم {فَاعْفُ} أنت أيضا {عَنْهُمْ} مخالفتهم هذه وزلتهم وإفراطهم {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ربك وربهم وادع لهم أن لا يعودوا لمثلها فإنهم قد نالوا جزاءهم الدنيوي بما وقع فيهم من القتل والذل.واعلم أنك مجاب الدعوة، فلا تدعو عليهم، بل اسأل ربك الخير لهم {وَشاوِرْهُمْ فِي الأمر} تطييبا لقلوبهم حتى يتيقنوا رضاك عنهم قلبا وقالبا، وذلك أن سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمور التي يساقون إليها يشق عليهم لأن ذلك يعدونه من عدم المبالات بهم وإلا فإن الله تعالى يعلم أن ما لنبيّه من حاجة لمشورة أحد من خلقه ولكن أراد استجلاب عطفهم على رسوله وانفراز مودته في قلوبهم وجعل المشورة سنة لمن بعده على الإطلاق وعلى كل الرأي بعد المشورة له خاصة وليس عليه أن يتقيد برأيهم لأنه أوسع فكرا منهم وأصوب رأيا وأكبر تدبيرا وتدبرا في العواقب.وهذا في الأمور التي لم ينزل فيها وحي أما ما نزل فيها الوحي فلا خيار له هو نفسه فيه فضلا عن أخذ رأي غيره.واعلم أن المشاورة في الأمور ممدوحة مطلوبة ومحمودة قال بعضهم: وعلى المستشير ألا يشاور من لا يثق به ولا يحبه ولذلك قالوا سبعة لا يشاورون:1- جاهل لأنه يضل 2- وعدو لأنه يريد الهلاك 3- وحسود لأنه يتمنى زوال النعمة 4- ومراء لأنه يقف مع رضاء الناس 5- وجبأن لانه يهرب من كل ما يرعب فلا يميل إلا إلى سفاسف الأمور 6- وبخيل لأنه يحرص على ماله فهو على نفسه أحرص فلا رأي له في العز 7- ذوي هوى لأنه أسير هواه فلا خير في رأيه.وقالوا أيضا لا يشاور معلم الصبيان الذي لا يخالط الناس لقصر رأيه ولا راعي غنم يقوم معها وينام معها، ومن يخالط النساء دائما، وصاحب الحاجة لأنه أسير حاجته فيلائم صاحبها على رأيه، ويشاور من عناهم القائل بقوله: وقال صلّى الله عليه وسلم: المستشار مؤتمن وعليه يجب على العدو إذا استشاره عدوه أن يسديه نصحه هذا، وإذا استشرت صاحبك فأشار عليك بما لم تره موافقا أو لم تحمد عاقبته فلا تلمه أو تعاقبه لأنه أدى لك ما يحبه لنفسه وأنت غير ملزم برأيه.قال تعالى: {فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} أي إذا قطعت الرأي بعد المشورة التي هي كالاستيناس والاستطلاع لأن في احتكاك الآراء يظهر القصد الأحسن من الحسن.وتستبين الغاية المنشودة كالنار الناشئة من تصادم الحجرين وعلى كل فليكن توكلك على الله في تنفيذ ما تصمم عليه {إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ 159} عليه في كل أمورهم، وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 72 من سورة النحل والآية 28 من سورة الشورى، وتشير هذه الآية إلى أن الرأي للأمير والفقرة الأخيرة منها تؤكد عدم التقيد برأي الغير.قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ الله} فيما بعد كما نصركم في بدر {فَلا غالِبَ لَكُمْ} البتة {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ} كما وقع لكم في أحد {فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} أي لا أحد أبدا {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} لا على غيره وقد بينا ما يتعلق بالتوكل في الآية 40 من سورة الواقعة، ولم تنته بعد الآيات النازلة في واقعة أحد إذ لم يذكر الله في حادثة مثل ما أنزل فيها لأنها أول فاجعة أصابت المسلمين.وما قيل إن هذه الآيات الأخيرة بعد آية الرّبا نزلت في حادثة بدر لا صحة له ولا ينطبق على شيء منها.وإنما الآية الآتية قد يكون لها علاقة في غنائم بدر فقط وهي قوله تعالى: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أي ما صح ولا استقام لأي نبي أن يخون في الغنائم البتة لمنافاته مرتبة النبوة التي هي أعلى المراتب وأسمى الكمال الإنساني وأشرفه، وهذا للامتناع العقلي مثله في قوله تعالى: {ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} الآية 25 من سورة مريم وقوله: {ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها} الآية 60 من سورة النمل، وقرئ يغل على البناء للمجهول على أنها من أغللته إذا نسبته للغلول كما تقول أكفرته إذا نسبته للكفر قال الكميت:
|